( نعتذر عن أعطاء نسخ الكتاب )
قال الأستاذ مصطفى الغلاييني رحمه الله
:
"
أَحكام الوقف على المتحرك
لك في الوقف على المتحرك خمسة أوجه
:
(1) أن تقف عليه بالسكون. وهو الأصل، والكثير في كلامهم، المشهور عنهم.
(2) أن تقف عليه بالرَّوْم، وهو أن تأتي بالحركة ضعيفةَ الصَّوت فلا تتمّها،
بل تختلسها اختلاساً، تنبيهاً على حركة الأصل،
فتحة كانت الحركةُ أو ضمة أو كسرة.
ومنه الفرَّاء الوقف على ذي الفتحة بالرّوم وأكثر القراء قد اختاروا قوله.
(3) أن تقف عليه الإشمام، إن كان مضموماً (ولا إشمام في غيره).
والإشمام: إشارة الشفتين إلى الضمة، بعد الوقف بالسكون مباشرة،
من غير تصويت بالحركة، ضعيف أو قويّ، وذلك بأن تضمَّ شفتيك بعد إسكان الحرف، وتدع بينهما بعض انفراج يخرج منه النفسُ، فيراهما الرائي مضمومتين،
فيعلم أنك أردت بضمهما الحركة المضمومة، وهذا إنما يراه البصير، لا الأعمى،
وهو في الحقيقة وقف بإسكان الحرف. والضمةُ إنما يشار إليها بالشفتين.
(4) أن تقف عليه بتضعيف الحرف الموقوفِ عليه، فيكون حرفاً مشدداً،
مثل: "هذا خالدٌ، وقرأتُ المصحفَ.
إلا إذا كان الآخر همزةٌ، أو حرف علَّةٍ، أو ما كان قبله ساكناً، فلا يضَعَّفُ.
(5) ان تقف عليه بنقلِ حركتهِ إلى ما قبله.
مثلُ: "يَجْدُرُ بك الصَّبرُ. وعليه بالصِّبرْ".
وشرط الوقفِ بالنَّقل أن يكون ما قبلَهُ ساكناً،
وان لا تكون الحركة المنقولة فتحة. فلا نقْل في مثل "جَعْفرُ" لتحرُّك ما قبل الآخر ولا في مثل: "تعوَّدَ الصبْرَ".
لأن الحركة فتحة. وأجازه الأخفش والكوفيون.
فإنهم يقولون: "تَعوَّدِ الصَّبَرْ". فإن كان الآخرُ همزة جاز نقل فتحة الهمزةِ. قولا واحداً. فتقول في "أخرجتُ الخبْءَ: أخرجتُ الخَبَأْ".
ومن الوقف بالنقل
:
أن تقول في "اكتُبْهُ ولم يَكتُبه، وأعلَمْهُ ولم يَعلَمْهُ. وعدْهُ ولم يَعِدْه". "أكتبُهْ ولم يكتبُهْ، واعلَمُهْ ولم يعلمُهْ، وعدُهْ ولم يعدُهْ". ومنه قول الرّاجز:
*عَجِبتُ والدَّهرُ كثيرٌ عَجَبُهْ * مِن عَنَزيٍّ سَبَّني لم أَضْربُهْ*
الوقف بهاء السكت
كلُّ متحركٍ تقفُ عليه بالسكون. كما علمتَ.
ويجوزُ أن يوقفَ على بعض المتحركات أيضاً بهاءٍ ساكنة تسمّى "هاء السكت".
ولا تُزادُ هذه الهاء، للوقف عليها، إلاّ في المضارع المعتلِّ الآخر، المجزوم بحذف آخره، وفي الأمر المعتلَّ الآخر المبني على حذف آخره، وفي "ما الاستفهامية"، وفي الحرف المبني على حركةٍ، بناءً أصليّاً. ولا يوقف بهاء السكت في غير ذلك، إلا شُذوذاً.
وإليك شرح ذلك:
(1) إذا وقفتَ على مضارع، معتلِّ الآخر، لم يَتَّصل آخره بشيءٍ وقفتَ عليه بإثبات آخره ساكناً، في حالتيْ رفعهِ ونصبه. فإن جزمته، فإن شئت وقفتَ على ما صار آخراً،
مثل: "لم تَمْشْ، لم تدْعْ، لم تَخْشْ"،
وإن شئتِ وقفتَ عليه بهاءِ السكت، لِيسهُلَ الوقفُ، وهو الأحسن، مثل: لم نمْشِهْ، لم تَدْعُهْ، لم تَخْشَهْ".
وكذلك المعتل الآخر، المبنيُّ على حذف آخره،
فإنك تقول فيه: "امشْ ادْعْ، اخشْ" تقفُ بالسكون على ما صار آخراً
وتقولُ: "إمشهِ، ادْعُه، اِخشَهْ" بالوقف على هاء السكت. إلا إذا بقيَ الأمر على حرف واحد، مثل: "فِ وعِ وقِ"، وهي أفعالُ أمرٍ من "وفى يفي، ووعى يعي، ووقى يقي"، فحينئذ يجب الوقف عليه بهاء السكت وجوباً، مثلُ "فِهْ، عِهْ، قِهْ".
(2) إذا وقعتْ "ما" الاستفهاميّةُ موقعَ المجرور، حُذِفَتْ أَلفها وجوباً، مثل: "على مَ عوَّلتَ؟ حَتَّامَ تسكت؟ إِلامَ تميلُ؟". ومنه قوله تعالى: {عمَّ يتساءَلون؟ ... فيمَ أنتَ من ذِكراها}،
ومثل: "مَجيءَ مَ جئتَ؟
و
ثمرُ مَ هذا الثّمر؟"
ثم إذا وقفتَ عليها، فإن كانت مجرورة بالإضافة، وقفتَ عليها بهاءِ السكت وجوباً،
مثلُ: "مجيءَ مَهْ؟ وثمرُ مهْ". وإن كانت مجرورةً بحرف الجرِّ، فالأجودُ الوقوفُ عليها بهاءِ السكت، مثلُ: "عَمهْ؟ فِيمَهْ؟ حتامَهْ؟ إلامَهْ". ويجوزُ الوقفُ على الميم ساكنة، مثلُ: عَمْ؟ فيمْ؟ علامْ؟ حَتّامْ؟". وقد تسكنُ الميمُ في الوصل، إجراء لهُ مجرَى الوقفِ، كقول الشاعر:
*يا أبا الأَسوَدِ لِمْ خَلَيتَني * لِهُمومٍ طارِقاتٍ وذكر*
وكان حقُّه أن يقول: "لمَ"، لكنه وَصل كما يقف:
(3) إذا وقفتَ على حرفٍ مبني على حركة، مثلُ: "رُبَّ ولَعلَّ وإنَّ ومُنذُ" وقفتَ عليه بالسكون. وإن شئت وقفت عليه بهاء السكت، مثل: "رُبّهْ، لَعلّهْ، إنهْ، مُنْذُهْ". ومن ذلك نون التوكيد المُشدَّدة، مثلُ: "لا تذهبَنَّ واذهَبنَّ"، فإنك، كما تقفُ عليها بالسكون، تقفُ عليها بهاءِ السكت، مثل: "لا تَذهبَنّهْ واذهبنَّه"، وهو الأحسنُ. ومن ذلك النوناتُ اللاحقات للمثنى وجمع المذكر السالم والأفعالِ الخمسة. فكما تقفُ عليهنَّ بالسكون، تقفُ عليهن بهاء السكت، تقول: "جاءَ الرّجلانِهْ، وأكرِم المجتهدونه والمجتهدونَ يُكرَمونَهْ". وقد قُرِئَ في العشْر: "بعد أن تُولوا مُدبرينَهْ ... إنه لَمِنَ الظالمينهْ ... لعلَّهم إليه يَرجِعونَهْ"، بالوقف على هاتين النونين بهاء السكت.
(4) الاسمُ المبنيُّ، إما أن يكون بناؤُهُ عارضاً، لسبب يزول بزواله: (كقَبْل وبَعد، واسمِ "لا" النافية للجنس المبنيّ)، فما كان كذلك، فلا يوقف عليه بهاء الكست. وإما أن يكون بناؤه ملازماً له في جميع أحواله (كالضمائر وأسماء الإشارة، وأسماء الاستفهام ونحوها). فما كان كذلك، وكان محرّك الآخر، وقفت عليه بالسكون أو بهاء السكت، وذلك مثلُ: "أين وأيَّان وكيف والذين وحذار وحيث" فإن شئت وقفت عليها بإسكان أواخرها، وإن شئت وقفت عليها بهاء السكت، مثل: "أينهْ، أيَّانَهْ، كيْفهْ، الذّينهْ، حذارهْ، حيْثهْ".
وكذلك الضمائر المتحركة، فإنك تقف عليها بالسكون، أن بزيادة هاء السكت فتقول: "أكرمتْ وأكرمتَهْ، وقُمتْ وقمنَه، وأنتْ وأنْتَه، ويَجتهدْنَ ويَجتهدنَهْ، وانُتنْ وأنتُنَّهْ، وهنّ وهنَّهْ، وأكرمتَهن وأكرمتهنَّه".
أما (أنا) ضمير الواحد المتكلم، فمن قال إنَّ الألف في آخره زائدة، لبيان حركة النون عند الوقف، أجز الوقفَ عليه بإثباتها، وأجاز حذفها والوقف عليه بهاء السكت، مثلُ "أنَهْ". ومن قال إنها أصليةٌ. وقف عليه بها.
## ##
##
فائدة
##
## ##
من قال إن الألف في "أنا" زائدة، أثبتها في الوقف، وأسقطها في الوصل "أي في درج الكلام"، فيلفظ "أَنا فعلت"، بإسقاط الألف لفظاً لا خطاً. ومن قال إنها أصلية، أثبتها في الوصف والوقف. وذكر سيبويه ان من العرب من يثبت أفها في الوصل: فيقول "أنا فعلت": ينطق بالألف. وبذلك قرأ نافع في قوله تعالى: {أنا أحيي وأميت} - وقوله: {أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك} بإثبات الألف في اللفظ. ومنه قول الشاعر:
*أنا سيف العشيرة فاعرفوني * حميد قد تذريت السناما*
وقول الراجز: "أنا ابو النجم، وشعري شعري".
وإذا وقفت على "هُوَ وهِيَ"، قلت: هُو وهي" بإسكان الواو والياء، و "هُوَهْ وهِيَهْ" بزيادة هاءِ السكت. وفي التنزيل: "وما أَدراك ما هِيَه؟". وقال الشاعر:
*إذا ما تَرَعْرَعَ فينا الغُلامُ * فما إنْ يُقالُ لهُ: مَنْ هُوَهْ؟*
هذا في لغة من فتح الواو والياء، في "هو وهيَ" في الوصل. أما من سكنها في درج الكلام، قفلا يقف بهاء السكت بل بالواو والياء ساكنتين، كما ينطقُ بهما كذلك في الدَّرج.
أما ياء المتكلم، فمن العرب من يسكنها في الوصل، فإذا وقف عليها بسكونها مثل: "الله أعطاني، هذا غلامي"، أو حذفها وأسكن ما قبلها، فتقول: اللهُ أعطانْ، هذا غلامْ" وعلى ذلك قراءةُ أَبي عمروٍ: {ربي أكرَمَنْ .... ربي أهانَنْ}، وقول الشاعر:
*فَهَلْ يَمْنعني ارتيادي البلا * دَ من حذَرِ الموتِ أن يأتيَنْ*
ومِن شانيءٍ كاسف وجْهُهُ * إذا ما انتَسبْتُ لهُ أنكَرنْ*
ومنهم من يفتحها في الوصل. فيقول: "أَعطانيَ اللهُ، غلاميَ قد جاءَ". فإذا وقف عليها فبإسكانها: أو ألحق بها هاء السكت، مثل: "الله أعطانِيَهْ، هذا غلامِيَهْ". ومنه قوله تعالى: {ما أغنى عني ماليه. هَلَكَ عني سلطانِيَهْ}.
"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق